لم يأت من باب الصدفة السياسيّة صرف النائب محمد كباره نظره عن إستقالته من المجلس النيابي بهدف ترشيح نجله كريم وتأمين فوزه على القانون الأكثري، في الإنتخابات الفرعيّة المرتقبة في عاصمة الشمال، لملء المقعد الذي شغر بعدما أبطل المجلس الدستوري نيابة عضو كتلة المستقبل النائبة ديما جمالي، بناء على طعن مقدم من مرشح جمعية المشاريع (الأحباش) طه ناجي. صرف كباره النظر عن الإستقالة مبرراً قراره بأنه يريد " الإستمرار في خدمة أهله في طرابلس" لكن ما أعلنه "أبو العبد" شيء، وما رصد من وساطات بين عاصمة الشمال وعاصمة لبنان شيء آخر كلياً، وفي المعلومات، فقد شغّلت قيادة تيار المستقبل إتصالاتها على محورين: محور أول تولّاه رئيس التيار الأزرق والحكومة شخصياً سعد الحريري الذي عمل على إقناع كريم نجل النائب كباره بفكرة عدم الإستعجال على دخول الندوة البرلمانية في إنتخابات فرعية، الماكينات الإنتخابية فيها لن تكون في جهوزيّة لوجيستيّة وماليّة تامّة والجمهور فيها غير متحمّس للإقتراع. الإتّصالات التي سجلت بين رئيس الحكومة ونجل كباره، تردد أنها تضمنت وعداً من الحريري الى الشاب الذي يدير شركة في مرفأ طرابلس تضم حوالى ٤٠٠ موظف أكثريتهم من المدينة، بترشيحه في الدورة الإنتخابية المقبلة في العام ٢٠٢٢، وعلى هذا الأساس، وعد كباره الإبن الحريري بالعمل على إقناع والده بعدم الإستقالة، وهكذا حصل.
أما محور الإتصالات الثاني فسجّل بين الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري والنائب كباره نفسه، ومن الأمور الأساسيّة التي ركّز عليها الحريري لإقناع كباره بصرف النظر عن الإستقالة، هي أن إستقالة النائب من المجلس النيابي تحتاج الى جلسة تعقدها الهيئة العامة، وهذا أمر قد لا يكون متاحاً في وقت قريب.
لم تؤيد قيادة تيار المستقبل ولو للحظة واحدة قرار كباره بالإستقالة من المجلس لتوريث إبنه المقعد عبر معركة يعتقدها أبو العبد سهلة كونها ستحصل على النظام الأكثري، وفي قضاء طرابلس فقط لا في الدائرة التي تضم طرابلس، المنية والضنية، وهذا ما نص عليه قانون الإنتخاب الجديد في حال شغر مقعد أو إثنان في الدائرة الإنتخابية. وفي هذا السياق، تكشف مصادر طرابلسية متابعة أن قرار قيادة التيار بإقناع كباره بعدم الإستقالة، إتّخذ بعدما شعر المستقبليّون أن المعركة الإنتخابية، وفي حال كانت على مقعدين لا على مقعد جمالي فقط، ستفتح شهية الكثيرين على الترشح من داخل التيار الأزرق ومن حلفائه، وحتى من خصومه، لذلك كان الأفضل بالنسبة الى التيار الأزرق، أن تبقى الإنتخابات الفرعية على مقعد واحد، وتحديداً على إسم واحد ألا وهو ديما جمالي. هكذا يمكن للتيار تجيير أكبر عدد من الأصوات الحزبية والحليفة الى جمالي، بعيداً كل البعد عن كأس توزيع الأصوات على مرشحين إثنين، ديما جمالي وكريم كباره.
إذاً، الى غير رجعة طويت صفة الإستقالة، وأصبح تركيز الحريري موجّهاً نحو هدف واحد: تأمين فوز جمالي بأكبر نسبة مشاركة وأكبر نسبة أصوات، كل ذلك لإستعادة المقعد الذي خسره بفعل قرار الدستوري، وكي يقول لخصومه في عاصمة الشمال، مهما مرّ الحريري بظروف سياسية صعبة، لا يزال رقماً صعباً في طرابلس الفيحاء التي لم ولن تخذله يوماً.